فصل: بقية أخبار المهدي بعد الشيعي.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل أبي عبد الله الشيعي وأخيه.

لما استقام سلطان عبيد الله المهدي بأفريقية استبد بأمره وكفح أبا عبد الله الشيعي وأخاه أبا العباس عن الاستبداد عليه والتحكم فى أمره فعظم ذلك عليهما وصرح أبو العباس بما في نفسه فنهاه أخوه أبو عبد الله عن ذلك فلم يصغ إليه ثم استماله أبو العباس لمثل رأيه فأجابه وبلغ ذلك إلى المهدي فلم يصدقه ثم نهى أبا عبد الله عن مباشرة الناس وقال إنه مفسد للهيبة فتلطف في رده ولم يجبه إليه ففسدت النية بينهما واستفسدوا كتامة وأغروهم به وذكروهم بما أخذه من أموال أيكجان واستأثر به دونهم وألقوا إليهم أن هذا ليس هو الإمام المعصوم الذي دعونا إليه حتى بعث إلى المهدي رجل كان في كتامة يعرف بشيخ المشايخ وقال له: جئنا بآية على أمرك فقد شككنا فيك فقتله المهدي ثم عظمت استرابتهم واتفقوا على قتل المهدي وداخلهم في ذلك أبو زاكي تمام بن معارك وغيره من قبائل كتامة ونمي الخبر إلى المهدي فتلطف في أمرهم وولى من داخلهم من قواد كتامة على البلاد فبعث تمام بن معارك على طرابلس وبعث إلى عاملها ماكنون بقتله فقتله عند وصوله ثم إتهم المهدي ابن الغريم بمداخلتهم وكان من أصحاب زيادة الله فأمر بقتله واستصفاء أمواله وكان أكثرها لزيادة الله ثم إن المهدي استدعى عروبة بن يوسف وأخاه حباسة وأمرهما بقتل الشيعي وأخيه فوقفا لهما عند القصر وحمل عروبة على أبي عبد الله فقال له: لا تفعل! فقال: الذي أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك! ثم أجهز عليهما في نصف جمادى سنة ثمان وتسعين ويقال إن المهدي صلى على أبي عبد الله وترحم عليه وعلام أن الذي حمله على ذلك إغراء أبي العباس أخيه وثارت فتنة بسبب قتلهما من أصحابهما فركب المهدي وسكنها ثم ثارت فتنة أخرى بين كتامة وأهل القيروان وفشا القتل فيهم فركب المهدي وسكنها وكف الدعاة عن طلب التشيع من العامة وقتل جماعة من بني الأغلب برقادة لما رجعوا إليها بعد زيادة الله.

.بقية أخبار المهدي بعد الشيعي.

ولما استقام أمر المهدي بعد الشيعي جعل ولاية عهده لابنه أبي القاسم نزار وولى على برقة وما إليها حباسة بن يوسف وعلى المغرب أخاه عروبة وأنزله باغاية فسار إلى تاهرت فاقتحمها وولى عليها دواس بن صولات اللهيص ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعي ونصبوا طفلا لقبوه المهدي وزعموا أنه نبي وأن أبا عبد الله الشيعي لم يمت فجهز ابنه أبا القاسم لحربهم فقاتلهم وهزمهم وقتل الطفل الذي نصبوه وأثخن فيهم ورجع ثم انتقض أهل طرابلس سنة ثلثمائة وأخرجوا عاملهم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسبم فحاصرها طويلا ثم فتحها وأثخن فيهم وأغرمهم ثلثمائة ألف دينار ثم أغزى ابنه أبا القاسم وجموعه كتامة سنة إحدى وثلثمائة إلى الإسكندرية ومصر وبعث أسطوله في البحر في مائتين من المراكب وشحنها بالإمداد وعقد عليها لحباسة بن يوسف وسارت العساكر فملكوا برقة ثم الإسكندرية والفيوم وبعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين ومؤنس الخادم فتواقعوا مرات وأجلاهم عن مصر فرجعوا إلى المغرب ثم عاد حباسة في العساكر فى البحر سنة اثنتين وثلثماثة إلى الإسكندرية فملكها وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مرات وكان الظهور آخرا للمؤنس وقتل من أصحابه نحو من سبعة آلاف وانصرف إلى المغرب فقتله المهدي وانتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب واجتمع إليه خلق كثير من كتامة والبربر وسرح إليهم المهدي مولاه غالبا في العساكر فهزمهم وقتل عروبة وبني عمه في أمم لا تحصى ثم نتقض أهل صقلية وتقبضوا على عاملهم علف بن عمرو وولوا عليهم أحمد بن قهرب فدعا للمقتدر العباسي وذلك سنة أربع وثلثمائة وخلع طاعة المهدي وجهز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول ابن قهرب فغلبه وقتل ابن أبي خنزير ثم راجع أهل صقلية أمرهم وكاتبوا المهدي وثاروا بابن قهرب فخلعوه وبعثوا به إلى المهدي فقتله على قبر ابن أبي خنزير وولى على صقلية علي بن موسى بن أحمد وبعث معه عساكر كتامة ثم اعتزم المهدي على بناء مدينة على ساحل البحر يتخذها معصما لأهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج ويحكى عنه أنه قال بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار وأراهم موقف صاحب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعا لبنائها ومر بتونس وقرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلت بزند فاختط المهدية بها وجعلها دار ملكه وأدار بها سورا محكما وجعل لها أبوابا من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار وابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث ولما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب ونظر إلى منتهاه وقال: إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار يعني أبا يزيد ثم أمر أن يبحث في الجبل دار لإنشاء السفن تسع مائة سفين وبحث في أرضها أهراء للطعام ومصانع للماء وبنى فيها القصور والدور فكملت سنة ست ولما فرغ منها قال: اليوم أمنت على الفواطم ثم جهز ابنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرة ثانية سنة سبع وثلئمائة فملك الاسكندرية ثم سار فملك الجيزة والأشمونين وكثيرا من الصعيد وكتب إلى أهل مكة بطلب للطاعة فلم يجيبوا إليها وبعث المقتدر مؤنسا الخادم في العساكر وكانت بينه وبين أبي القاسم عدة وقعات ظهر فيها مؤنس وأصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء والوباء فرجع إلى أفريقية وكانت مراكبهم قد وصلت من المهدية إلى الإسكندرية في ثمانين أسطولا مددا لأبي القاسم وعليها سليمان الخادم ويعقوب الكتامي وكانا شجاعين وسار الأسطول من طرسوس للقائهم في خمسة وعشرين مركبا والتقوا على رشيد وظفرت مراكب طرسوس وأحرقوا وأسروا سليمان ويعقوب فمات سليمان في حبس مصر وهرب يعقوب من حبس بغداد إلى أفريقية ثم اغزى المهدي سنة ثمان وثلثمائة مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب فأوقع بملك فاس من الأدارسة وهو يحيى بن إدريس بن إدريس بن عمرو واستنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته وعقد لموسى بن أبي العافية المكناسي من رجالات قومه على أعمال المغرب ورجع ثم عاود غزو المغرب سنة تسع فدوخه ومهد جوانبه وأغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس فتقبض عليه وضم فاس إلى أعمال موسى ومحا دعوة الإدريسية من المغرب وأجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف وغمارة واستجدوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة ومنهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويين في سنة ثلاث وأربعمائة كما نذكر هنالك ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة وعقد لابن عمه كما نذكر في أخبارهم وسار في أتباعه زناتة في نواحي المغرب فكانت بينه وبينهم حروب هلك مضالة فى بعضها على يد محمد بن خزر واضطرب المغرب فبعث المهدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكر كتامة وأولياء الشيعة سنة خمس عشرة وثلثمائة ففر محمد بن خزر وأصحابه إلى الرمال وفتح أبو القاسم بلد مزاتة ومطماطة وهوارة وسائر الأباضية والصفرية ونواحي تاهرت قاعدة المغرب الأوسط إلى ما وراءها ثم عاج إلى الريف فافتتح بلد لكور من ساحل المغرب الأوسط ونازل صاحب جراوة من آل إدريس وهو الحسن بن أبي العيش وضيق عليه ودوخ أقطار المغرب ورجع ولم يلق كيدا ومر بمكان بلد المسيلة وبها بنو كملان من هوارة وكان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فج القيروان وقضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه ولما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم وسماها المحمدية ودفع علي بن حمدون الأندلسي من صنائع دولتهم إلى بنائها وعقد له عليها وعلى الزاب بعد اختطاطها فبناها وحصنها وشحنها بالأقوات فكانت مددا للمنصور في حصار صاحب الحمار كما يذكر ثم انتقض موسى بن أبي العافية عامل فاس والمغرب وخلع طاعة الشيعة وانحرف إلى الأموية من وراء البحر وبث دعوتهم في أقطار المغرب فنهض إليه أحمد بن بصلين المكناسي قائد المهدي وسار في العساكر فلقيه ميسور وهزمه وأوقع به وبقومه بمكناسة وأزعجه عن الغرب إلى الصحاري وأطراف البلاد ودوخ المغرب وثقف أطرافه ورجع ظافرا.